الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***
695- ذكر فيه مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل كذا روى هذا الحديث جماعة رواة عن مالك وكذلك رواه أصحاب نافع أيضا ورواه بن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى بن مسعود وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في تلبية رسول الله (عليه السلام) دون زيادة بن عمر من قوله وفي حديث أبي هريرة زيادة لبيك إله الحق واختلفت الروايات في فتح إن وكسرها وقوله إن الحمد والنعمة لك وأهل العربية يختارون في ذلك الكسر وأجمع العلماء على القول بهذه التلبية واختلفوا في الزيادة فيها فقال مالك أكره أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد قولي الشافعي وقد روي عن مالك انه لا بأس أن يزاد فيها ما كان بن عمر يزيده في هذا الحديث. وقال الشافعي لا أحب أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شيئا يعجبه فيقول لبيك إن العيش عيش الآخرة وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو ثور لا بأس بالزيادات في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فيها ما شاء قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا ما رواه القطان عن جعفر بن محمد قال حدثني أبي عن جابر بن عبد الله قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية بمثل حديث بن عمر قال والناس يزيدون لبيك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي (عليه السلام) يسمع فلا يقول لهم شيئا واحتجوا أيضا بأن بن عمر كان يزيد فيها ما ذكره مالك وغيره عن نافع في هذا الحديث وما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول بعد التلبية لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك وعن أنس بن مالك انه كان يقول في تلبيته لبيك حقا حقا تعبدا وزقا ومن كره الزيادة في التلبية احتج بأن سعد بن أبي وقاص أنكر على من سمعه يزيد في التلبية ما لم يعرفه وقال ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه يحيى بن سعيد عن بن عجلان قال حدثني عبد الله بن أبي سلمة عن سعد قال أبو عمر من زاد في التلبية ما يجمل ويحسن من الذكر فلا بأس ومن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل عندي ومعنى التلبية إجابة عباد الله عز وجل ربهم فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته يقال منه قد ألب بالمكان إذا أقام به وقال الراجز (لب بأرض ما تخطاها الغنم) وإلى هذا ذهب الخليل قال أبو عمر وقال جماعة من العلماء إن معنى التلبية إجابة إبراهيم عليه السلام حين أذن بالحج في الناس روى جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن بن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ الصوت قال أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق قال فسمعه ما بين السماوات والأرض أفلا ترون الناس يجيؤون من أقطار الأرض يلبون وروى بن جريج عن مجاهد في قوله تعالى (وأذن في الناس بالحج [الحج 27]. قال قام إبراهيم على مقامه قال أيها الناس أجيبوا ربكم فقالوا اللهم لبيك فمن حج البيت فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ قال أبو عمر معنى لبيك اللهم لبيك أي إجابتي إليك إجابة بعد إجابة ومعنى قول بن عمر لبيك وسعديك أي أسعدنا سعادة بعد سعادة وإسعاد بعد إسعاد وقد قيل معنى وسعديك سعادة لك وكان ثعلب يقول إن بالكسر في قوله إن الحمد والنعمة لك أحب إلي لأن الذي يكسرها يذهب إلى أن الحمد والنعمة لك على كل حال والذي يفتح يذهب إلى أن المعنى لبيك إلى أن الحمد لك أي لبيك ولهذا السبب واستحب الجميع أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها وكان مالك يستحب أن يبتدئ المحرم بالتلبية بإثر صلاة نافلة أقلها ركعتان وكره أن يحرم بإثر الفريضة دون نافلة فإن أحرم بإثر صلاة مكتوبة فلا حرج وقال غيره ويحرم بإثر نافلة أو فريضة من ميقاته إذا كانت صلاة يتنفل بعدها فإن كان في غير وقت صلاة لم يبرح حتى يحل وقت صلاة فيصلي ثم يحرم إذا استوت به راحلته وكان ممن يمشي فإذا خرج من المسجد أحرم وقال العلماء بتأويل القرآن في قوله (عز وجل) (فمن فرض فيهن الحج [البقرة 197]. قالوا الفرض التلبية قاله عطاء وطاوس وعكرمة وغيرهم وقال بن عباس الفرض الإهلال والإهلال التلبية وقال بن مسعود وبن الزبير الفرض الإحرام وهو كله معنى واحد وقالت عائشة لا إحرام إلا لمن أحرم ولبى وقال الثوري الفرض الإحرام والإحرام التلبية والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة قال أبو عمر اللفظ بالتلبية في حين فرض الإحرام عند الثوري وأبي حنيفة ركن من أركان الحج والحج إليها مفتقر ولا تجزئ التلبية عنها عندهما إلا أن أبا حنيفة يجوز عنده سائر الوجوه من التهليل والتكبير والتسبيح عن التلبية كما يفعل في الإحرام بالصلاة ولم أجد عند الشافعي نصا في ذلك وأصوله تدل على أن التلبية ليست من أركان الحج عنده وهو قول الحسن بن حي وأوجب التلبية أهل الظاهر داود وغيره. وقال الشافعي تكفي النية في الإحرام بالحج من أن يسمى حجا أو عمرة قال وإن لبى حجا أو عمرة لحجة يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بحج يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بحج يريد عمرة فهو حج وإن لبى ليس يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى ينوي الإحرام ولا ينوي حجا ولا عمرة فله الخيار يجعله أيهما شاء وإن لبى وقد نوى أحدهما فنسي فهو قارن لا يجزئه غير ذلك هذا قول الشافعي قال أبو عمر ذكر إسماعيل بن إسحاق عن أبي ثابت قال قيل لابن القاسم أرأيت المحرم من مسجد ذي الحليفة إذا توجه من فناء المسجد بعد أن صلى فتوجه وهو ناس أن يكون في توجهه محرما فقال بن القاسم أراه محرما فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه وإن تطاول ذلك عليه ولم يذكر حتى خرج من حجه رأيت أن يهريق دما قال إسماعيل وهذا يدل على أن الإهلال للإحرام ليس عنده بمنزلة التكبير للدخول في الصلاة لأن الرجل لا يكون داخلا في الصلاة إلا بالتكبير ويكون داخلا في الإحرام بالتلبية وبغير التلبية من الأعمال التي توجب الإحرام بها على نفسه مثل أن يقول قد أحرمت بالحج والعمرة أو يشعر الهدي وهو يريد بإشعاره الإحرام أو يتوجه نحو البيت وهو يريد بتوجهه الإحرام فيكون بذلك كله وما أشبهه محرما وكان مالك يرى على من ترك التلبية من أول إحرامه إلى آخر حجة دما يهريقه وكان الشافعي وأبو حنيفة لا يريان على من احرم على ما قد قدمنا عنهما ثم لم يلب إلى آخر الحج شيئا وفي هذا الباب. 696- مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل. 697- وذكر عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة. 698- وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ثم يخرج فيركب فإذا استوت به راحلته أحرم. 699- مالك بلغه أن عبد الملك بن مروان أهل من عند مسجد ذي الحليفة حين استوت به راحلته وأن أبان بن عثمان أشار عليه بذلك قال أبو عمر أما حديث هشام بن عروة فلم يختلف الرواة عن مالك في إرساله ومعناه قد روي من وجوه ذكرت أكثرها في التمهيد وفيه من الفقه أن الإهلال سنته أن تكون قبله صلاة نافلة أقلها ركعتان ثم يهل بإثرها ويركب فيهل أيضا إذا ركب حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثني عيسى بن إبراهيم عن بن وهب قال أخبرنا يونس عن بن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة ثم يهل حتى تستوي به قائمة حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن بكر قال أخبرنا بن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل قال أبو عمر يعني بعد أن ركع الركعتين اللتين في حديث هشام بن عروة بعد طلوع الشمس وأحرم بإثرهما. وأما قوله في حديث موسى بن عقبة بيداؤكم هذه فإنه أراد موضعكم الذي تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل إلا منه قال ذلك بن عمر منكرا لقول من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أهل في حجته حين أشرف على البيداء والبيداء الصحراء يريد بيداء ذي الحليفة. وأما قوله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإهلال في الشريعة هو الإحرام وهو فرض الحج وهو التلبية بالحج أو العمرة وقوله لبيك اللهم لبيك وينوي ما شاء من حج أو عمرة واتفق مالك والشافعي على أن النية في الإحرام تجزئ عن الكلام ولا قضاء وناقض أبو حنيفة فقال إن الإحرام عنده من شرطه التلبية ولا يصح إلا بالنية كما لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالنية والتكبير جميعا ثم قال فيمن أغمي عليه فأحرم عنه أصحابه ولم يفق حتى فاته الوقوف بعرفة يجزئه إحرام أصحابه عنه وبه قال الأوزاعي قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد من عرض له هذا فقد فاته الحج ولا ينفعه إحرام أصحابه عنه وناقض مالك أيضا فقال من أغمي عليه فلم يحرم فلا حج له ومن وقف بعرفة مغمى عليه أجزأه وقال بعض أصحابنا ليس بتناقض لأن الإحرام لا يفوت إلا بفوت عرفة وحسب المغمى عليه أن يحرم إذا أفاق قبل عرفة فإذا أحرم ثم أغمي عليه فوقف مغمى عليه أجزأه من اجل أنه على إحرامه قال أبو عمر الذي يدخل علينا أن الوقوف بعرفة فرض ويستحيل أن يتأدى من غير قصد إلى أدائه كالإحرام سواء وكسائر الفروض لا تسقط إلا بالقصد إلى أدائها بالنية والعمل حتى يكملها هذا هو الصحيح ووافق أبو حنيفة مالكا فيمن شهد عرفة مغمى عليه ولم يفق حتى انصدع الفجر وخالفهما الشافعي فلم يجز للمغمى عليه وقوفا بعرفة حتى يصبح عالما بذلك قاصدا إليه وبقول الشافعي قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود واكثر الناس واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لحجته من أقطار ذي الحليفة فقال قوم أحرم من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه وقال آخرون لم يحرم إلا من بعد أن استوت به راحلته بعد خروجه من المسجد وقال آخرون إنما أحرم حين أطل على البيداء وأشرف عليها وقد أوضح بن عباس المعنى في اختلافهم فأما الآثار التي ذكر فيها أنه أهل حين أشرف على البيداء ف روى أشعث عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل وروى شعبة عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء وربما قال من المسجد حين استوت به راحلته رواية شعبة لهذا الحديث عن موسى بن عقبة مخالفة لرواية مالك عنه بإسناد واحد وحديث عبيد بن جريج عن بن عمر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل حتى تنبعث به راحلته وحديث محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد عن أبيها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استوت به راحلته وإذا أخذ طريق الفرع أهل إذا أشرف على البيداء ففي هذه الآثار كلها الإهلال بالبيداء وهي مخالفة لحديث مالك في هذا الباب وقد ذكر أبو داود وغيره هذه الأحاديث كلها وهي صحيحة وحديث بن عباس يفسر ما أوهم الاختلاف بينها والحمد لله حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعيد قال حدثني أبي عن بن إسحاق قال حدثني خصيف عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب حجته فقال إني لأعلم الناس بذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى بمسجده ذي الحليفة ركعتيه أوجبه في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من الركعتين فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ذلك ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا ذلك عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وقف على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل على شرف البيداء فمن أخذ من قول بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه وفي هذا الباب. 700- مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال وما هن يا بن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ورأيتك تلبس النعال السبتيه ورأيتك تصبغ بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلل أنت حتى يكون في يوم التروية فقال عبد الله بن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين. وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها. وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها. وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته قال أبو عمر عبيد بن جريج من ثقات التابعين ذكر الحسن الحلواني قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا بن وهب قال حدثني أبو صخر عن بن قسيط عن عبيد بن جريج قال حججت مع بن عمر من بين حج وعمرة اثنتي عشرة مرة قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان في الصحابة موجودا وهو عند العلماء أصح ما يكون في الاختلاف إذا كان بين الصحابة. وأما ما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء وإنما وقع الاختلاف بين الصحابه بالتأويل المحتمل فيما سمعوه أو رأوه أو فيما انفرد بعلمه بعضهم دون بعض أو فيما كان منه صلى الله عليه وسلم على طريق الإباحة في فعله لشيئين مختلفين في وقته وفي هذا الحديث دليل على أن الحجة عند الاختلاف سنة وأنها حجة على ما خلفها وليس من خالفها عليها حجة ألا ترى أن بن عمر لما قال له بن جريج رأيتك تصنع أشياء لم يصنعها أحد من أصحابك لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ كان عنده في ذلك علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له بن جريج الجماعة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منك ولعلك قد وهمت كما يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع. وأما قوله رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء وأئمة الفتوى بالأمصار أن ذينك الركنين يستلمان دون غيرهما وروينا عن بن عمر أنه قال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الذين يليان الحجر أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم. وأما السلف فقد اختلفوا في ذلك فروي عن جابر وأنس وبن الزبير والحسن والحسين (رضي الله عنهم) أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها وعن عروة مثل ذلك وعن جابر بن زيد ومن يتق شيئا من البيت وكان معاوية يستلم الأركان فقال بن عباس لمعاوية ألا تقتصر على استلام الركنين فقال معاوية ليس شيء من البيت مهجورا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن قتادة عن أبي الطفيل قال حج بن عباس فجعل معاوية يستلم الأركان كلها قال بن عباس إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين الأيمنين فقال معاوية ليس من أركانه مهجور أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الطيالسي قال حدثنا ليث بن سعد عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين. وأما قوله رأيتك تلبس النعال السبتية فهي النعال السود التي ليس فيها الشعر ذكره بن وهب صاحب مالك وقال الخليل السبت الجلد المدبوغ بالقرظ وقال الأصمعي هو الذي ذكره بن قتيبة وقال أبو عمرو الشيباني هو كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد جلود البقر خاصة مدبوغة كانت أو غير مدبوغة ولا يقال لغيرها سبت وجمعها سبوت وقال غيره السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر وتلبس النعال منها قال أبو عمر لا أعلم خلافا في جواز لباس النعال السبتية في غير المقابر. وأما في المقابر فقد جاء فيها عن النبي (عليه السلام) وعن العلماء ما قد ذكرناه في التمهيد وليس هذا موضع ذكره. وأما قوله في حديث مالك ورأيتك تصبغ بالصفرة وقول بن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فإن العلماء اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقال قوم أراد الخضاب بها واحتجوا برواية مسدد وغيره عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر قال حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن بن جريج قال قلت لابن عمر أربع خصال رأيتك تضعهن قال وما هن قلت رأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك لا تستلم غير الركنين اليمانيين ورأيتك تصفر لحيتك وساق الحديث وفيه. وأما تصفيري لحيتي فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وذكر تمام الخبر ومثل ذلك رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث عن سعيد بن أبي سعيد عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصفر لحيتك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن أصفر به كما كان يصنع ورواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن بن جريج قال رأيت بن عمر يصفر لحيته قلت له رأيتك تصفر لحيتك قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته وروى عيسى بن يونس عن عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن عطاء رأيت بن عمر ولحيته صفراء وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث عن الذي ذكرنا عنهم في التمهيد وذكرنا حديث أبي الدرداء أنه قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب ولكنه قد كان فيه شعرات بيض فكان يغسلها بالحناء والسدر وقد ذكر بن أبي خيثمة في هذا اخبارا كثيرة وفي هذه أيضا وقال آخرون معنى قول عبيد بن جريج في حديث مالك رأيتك تصبغ بالصفرة أراد أنه كان يصفر ثيابه ويلبس ثيابا صفرا. وأما الخضاب فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب واحتجوا بآثار كثيرة قد ذكرنا في هذا الموضع وفي باب ربيعة من التمهيد وفي كتاب الجامع منها ديوان من ذلك كفاية وقد حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن سعد قال حدثنا زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس بن مالك عن الخضاب فقال خضب أبو بكر بالحناء والكتم فخضب عمر بالحناء قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء قال حميد كن سبع عشرة شعرة. وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثنا أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يبلغ ذلك وذكر مالك عن نافع عن بن عمر أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران قال أبو عمر حديث بن عمر هذا يدل على أن قوله في حديث عبيد بن جريج كان في صبغ الثياب بالصفرة لا في خضاب الشعر. وأما قوله في الحديث ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية فقال بن عمر لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته فإن بن عمر قد جاء بحجة قاطعة نزع بها وأخذ بالعموم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها وقال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله وقد تابع بن عمر على إهلاله هذا في إهلال المكي من غير أهلها جماعة من أهل العلم ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن بن طاوس عن أبيه عن بن عباس قال لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى قال بن طاوس وكان أبي إذا أراد أن يحرم من المسجد استلم الركن ثم خرج قال بن جريج وقال عطاء إهلال أهل مكة أن يهل أحدهم حين تتوجه به دابته نحو منى فإن كان ماشيا فحين يتوجه نحو منى وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا في حجتهم مع النبي (عليه السلام) عشية التروية حين توجهوا إلى منى قال بن جريج. وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله وهو يخبر عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فأمرنا بعد ما طفنا أن نحل قال وإذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا قال فأحللنا من البطحاء وفي هذه المسألة مذهب آخر لعمر بن الخطاب تابعه عليه أيضا جماعة من العلماء سنذكره في باب إهلال أهل مكة إن شاء الله. 701- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن خالد بن السائب الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال يريد أحدهما. 702- وذكر أنه سمع أهل العلم يقولون ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لتسمع المرأة نفسها قال مالك لا يرفع المحرم صوته بالإهلال في مساجد الجماعات ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما قال مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب التلبية دبر كل صلاة وعلى كل شرف من الأرض قال أبو عمر في حديث أبي قلابة عن أنس قال سمعتهم يصرخون بهما جميعا والصراخ الصياح وقد أوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية فرضا ولم يوجبه غيرهم وهو عندهم سنة قال مالك يرفع المحرم صوته بالتلبية قدر ما يسمع نفسه وكذلك المرأة ترفع صوتها قدر ما تسمع نفسها وقال إسماعيل بن إسحاق الفرق بين المسجد الحرام ومسجد منى وبين سائر المساجد في رفع الصوت بالتلبية أن مساجد الجماعة إنما بنيت للصلاة خاصة فكره رفع الصوت فيها وجاءت الكراهية في رفع الصوت فيها عاما لم يخص أحدا من أحد إلا الإمام الذي يصلي بالناس فيها فدخل الملبي في الجملة ولم يدخل في ذلك في المسجد الحرام ومسجد منى لأن المسجد الحرام جعل للحاج وغير الحاج قال الله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) [الحج 25]. وكان الملبي إنما يقصد إليه فكان له فيه من الخصوص ما ليس في غيرها. وأما مسجد منى فإنه للحاج خاصة وقد ذكر أبو ثابت عن بن نافع عن مالك أنه سئل هل ترفع المرأة المحرم صوتها بالتلبية في المساجد بين مكة والمدينة قال نعم قال لا بأس بذلك قال إسماعيل لأن هذه المساجد إنما جعلت للمارين وأكثرهم المحرمون فهم من النوع الذي وصفناه. وقال أبو حنيفة والثوري وأصحابهما والشافعي يرفع المحرم صوته بالتلبية عند اصطدام الرفاق والإشراف والهبوط واستقبال الليل في المساجد كلها وقد كان الشافعي يقول بالعراق مثل قول مالك ثم رجع إلى هذا على ظاهر حديث هذا الباب وعمومه لأنه لم يخص فيه موضعا من موضع وكان بن عمر يرفع صوته بالتلبية وقال بن عباس هي زينة الحاج وقال أبو حازم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبلغون الروحاء حتى تبح حلوقهم من التلبية وأجمع أهل العلم أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها فخرجت من جملة ظاهر الحديث وخصت بذلك وبقي الحديث في الرجال واستبعدهم به من ساعده ظاهره وبالله التوفيق ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال كان بن عمر يرفع صوته بالتلبية فلا يأت الروحاء حتى يصحل صوته قال الخليل صحل صوته يصحل صحلا فهو أصحل إذا كانت فيه بحة. وأما قوله عن بعض أهل العلم أنه كان يستحب التلبية دبر كل صلاة وعلى كل شرف فهو مستحب عند جميع العلماء لا يختلفون فيه. 703- ذكر فيه مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فأما من أهل بعمرة فحل. وأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. 704- وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج يحيى. 705- وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. 706- مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعده بعمرة فليس له ذلك قال مالك وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر أما قول عائشة في حديث أبي الأسود خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه من الفقه خروج النساء في شهر الحج مع أزواجهن ولا خلاف في هذا بين العلماء واختلفوا في المرأة لا يكون لها زوج ولا ذو محرم منها هل تخرج إلى الحج دون ذلك مع النساء أم لا وهل للمحرم من الاستطاعة أم لا سنذكر الاختلاف في ذلك عند قوله ( عليه السلام) لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم وفي حديث عائشة إفراد الحج وإباحة التمتع بالعمرة إلى الحج وإباحة القران وهو جمع الحج مع العمرة ولا خلاف بين العلماء في ذلك وإنما اختلفوا في الأفضل من ذلك وكذلك اختلفوا فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم به محرما في خاصته عام حجة الوداع. وأما مالك قال في ذلك بما روي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة وعن الأسود عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وجابر ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال بلغنا أن عمر بن الخطاب قال في قوله (عز وجل) (وأتموا الحج والعمرة لله) [البقرة 196]. قال من تمامها أن تفرد كل واحدة منهما من الأخرى وأن تعمر في غير أشهر الحج فإن الله (عز وجل) يقول الحج أشهر معلومات) [البقرة 197]. قال أبو عمر الإفراد أحد قولي الشافعي وقول عبد العزيز بن أبي سلمة والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن وبه قال أبو ثور وروى محمد بن الحسن عن مالك أنه قال إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر فإن في ذلك ذكر له لا أن الحق ما عملا به قال أبو عمر وقد روى الإفراد عن النبي (عليه السلام) جابر بن عبد الله وطرق حديثه وأثره صحاح عنه وقد ذكرنا منها في التمهيد ما فيه كفاية والحجة أيضا في إفراد الحج حديث بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة في هذا الحديث قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل قالت عائشة فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج الحديث وروى الحميدي عن الدراوردي عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج والأحاديث عن عائشة مضطربة في هذا جدا واستحب آخرون التمتع بالعمرة إلى الحج وقالوا ذلك أفضل وهو مذهب عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وبن الزبير وعائشة أيضا وهو مذهب عطاء بن أبي رباح وأهل مكة وقد روى الثوري عن بن حصين عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أنه قرن الحج مع أبي بكر وعمر رواه عن الثوري عبد الرزاق وغيره قال عبد الرزاق أخبرنا عمر بن ذر قال حججت فأمرني أبي أن أفرد الحج فذهبت مع نفر من مكة فسألنا عطاء بن أبي رباح فأمرني بالمتعة فلقيت عامرا الشعبي فقال هيه يا بن ذر أما اقتاد أهل مكة وما قال لك بن أبي رباح قال ما رأيتهم يعدلون بالمتعة فقال الشعبي أما أنا فحجة عراقية أحب إلي من حجة مكة وبه قال أحمد بن حنبل وهذا أحد قولي الشافعي واحتج القائلون بذلك بحديث الليث عن عقيل عن بن شهاب عن سالم عن بن عمر قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وساق الهدي معه من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج يتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج قال عقيل قال بن شهاب. وأخبرني عروة عن عائشة بمثل خبر سالم عن أبيه في تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج واحتجوا بحديث سعد بن أبي وقاص في المتعة صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه وبحديث عمران بن حصين تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج وبحديث مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن حفصة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك واحتجوا بحديث الثوري عن ليث عن طاوس عن بن عباس قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات وعثمان حتى مات وأول من نهى عنها معاوية قال أبو عمر حديث ليث هذا منكر والمشهور عن عمر وعثمان أنهما كانا لا يريان التمتع ولا القران وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال قال عروة لابن عباس ألا تتق الله ترخص في المتعة فقال بن عباس سل أمك يا عرية فقال عروة أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا فقال بن عباس والله ما أراكم بمنتهين حتى يعذبكم الله (عز وجل) نحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وتحدثونا عن أبي بكر وعمر قال أبو عمر قد كان جماعة من العلماء يزعمون أن المتعة التي نهى عنها عمر (رضي الله عنه) وضرب عليها فسخ الحج في عمرة فأما التمتع بالعمرة إلى الحج فلا وزعم من صحح نهي عمر عن التمتع أنه إنما نهى عنه لينتجع البيت مرتين أو أكثر في العام وقال آخرون إنما نهى عنها عمر لأنه رأى الناس مالوا إلى التمتع ليسارته وخفته فخشى أن يضيع القران والإفراد وهما سنتان للنبي (عليه السلام) وروى الزهري عن سالم قال سئل بن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له إنك تخالف أباك فقال إن عمر لم يقل الذي تقولون إنما قال عمر أفردوا الحج من العمرة فإنه أتم للعمرة أي أن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله (عز وجل) وعمل بها رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا أكثروا عليه قال كتاب الله بيني وبينكم كتاب الله أحق أن يتبع أم عمر. وقال أحمد بن حنبل لا يشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا والتمتع أحب إلي واحتج في اختيار التمتع بقوله (عليه السلام) لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة وقال آخرون القران أفضل وهو أحب إليهم منهم أبو حنيفة والثوري وبه قال المزني صاحب الشافعي قال لأنه يكون مؤديا للفرضين جميعا قال إسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع قارنا وهو قول علي بن أبي طالب وجماعة من التابعين وغيرهم قال أبو حنيفة القران أفضل ثم التمتع ثم الإفراد وقال أبو يوسف القران والتمتع سواء وهما أفضل من الإفراد واحتج من استحب القران وفعله بآثار منها حديث بن عباس عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ذكره البخاري قال حدثني الحميدي قال حدثنا الوليد وبشر بن بكر التنيسي قالا حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى قال حدثنا عكرمة أنه سمع بن عباس أنه سمع عمر فذكره وبحديث الصبي بن معبد عن عمر بن الخطاب قال الصبي أهللت بالحج والعمرة جميعا فلما قدمت على عمر ذكرت ذلك له فقال هديت لسنة نبيك (عليه السلام وهذا الحديث حدثناه سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثنا عبدة بن أبي لبابة وحفظناه عنه غير مرة قال سمعت أبا وائل شقيق بن سلمة يقول كثيرا ما ذهبت أنا ومسروق إلى الصبي بن معبد استذكره هذا الحديث قال الصبي كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فخرجت أريد الحج فلما كنت بالقادسية أهللت بالحج والعمرة جميعا فسمعني سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل علي بكلمتهما جبل فلقيت عمر بن الخطاب فأخبرته فأقبل عليهما فلامهما ثم أقبل علي فقال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ومنها حديث حفصة الذي قدمناه وحديث انس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بحجة وعمرة معا رواه حميد الطويل وحبيب بن الشهيد عن بكر المزني قال بكر فحدثت بذلك بن عمر فقال لبى بالحج وحده فلقيت أنسا فحدثته فقال ما تعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحجة معا وهذا الحديث يعارض ما روي عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع ويحتمل قول بن عمر أنه لبى بالحج وحده أي من مكة وقالت طائفة من العلماء لا يجوز أن يقال في واحد من هذه الوجوه وهي الإفراد والتمتع والقران أنه أفضل من غيره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباحها كلها وأذن فيها ورضيها ولم يخبر بأن واحدا منها أفضل من غيره ولا أمكن منها العمل بها كلها في حجته التي لم يحج غيرها وبهذا نقول وبالله التوفيق. وأما قول مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بحج مفرد ثم بدا له أن يهل بعد بعمرة فليس ذلك له قال مالك وذلك الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا قال أبو عمر اختلف العلماء في إدخال الحج على العمرة والعمرة على الحج فقال مالك يضاف الحج إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج قال فمن فعل ذلك فليست العمرة بشيء ولا يلزمه لذلك شيء وهو حج مفرد وكذلك من أهل بحجة فأدخل عليها حجة أخرى وأهل بحجتين لم يلزمه إلا واحدة ولا شيء عليه وبهذا قال الشافعي في المشهور من مذهبه وقال ببغداد إذا أهل بحجة فقد قال بعض أصحابنا لا يدخل العمرة عليه والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يدخل الحج على العمرة ولا يدخل العمرة على الحج قال أبو عمر يحتمل من قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول من قال إفراد الحج أي أمر به وأجازه وجاز أن يضاف ذلك إليه كما قال (عز وجل) (ونادى فرعون في قومه) [الزخرف 51]. أي أمر فنودي وإذا أمر الرئيس بالشيء جاز أن يضاف فعله إليه كما يقال رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنى وقطع في السرقة وتقول العرب حضرت زرعي ونحو ذلك إذا كان ذلك باد فيه والاختلاف هنا واسع جدا لأنه مباح كله بإجماع من العلماء والحمد لله قال أبو حنيفة من أهل بحجتين أو عمرتين لزمتاه وصار رافضا لإحداهما حين يتوجه إلى مكة قال أبو يوسف تلزمه الحجتان فيصير رافضا لإحداهما ساعتئذ قال محمد بن الحسن يقول مالك والشافعي تلزمه الواحدة إذا أهل بهما جميعا لا شيء عليه. وقال أبو ثور إذا أحرم بحجة فليس له أن يضم إليها أخرى وإذا أهل بعمرة فلا يدخل عليها حجة ولا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة وفي حديث مالك عن أبي الأسود في أول الباب قوله. وأما من جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر ففيه أن من كان قارنا أو مفردا ألا يحل دون يوم النحر وهذا معناه أنه يرمي جمرة العقبة يحل له اللباس وإلقاء التفث كله كل الحيل إلا بطواف الإفاضة فهو الحل كله لمن رمى جمرة العقبة قبل ذلك يوم النحر ضحى ثم طاف الطواف المذكور وهذا لا خلاف فيه. 707- مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن المقداد بن الأسود دخل على علي بن أبي طالب بالسقيا وهو ينجع بكرات له دقيقا وخبطا فقال هذا عثمان بن عفان ينهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فخرج علي بن أبي طالب وعلى يديه أثر الدقيق والخبط فما أنسى أثر الدقيق والخبط على ذراعيه حتى دخل على عثمان بن عفان فقال أنت تنهى عن أن يقرن بين الحج والعمرة فقال عثمان ذلك رأيي فخرج علي مغضبا وهو يقول لبيك اللهم لبيك بحجة وعمرة معا هذا الحديث منقطع لأن محمد بن علي بن حسين أبا جعفر لم يدرك المقداد ولا عليا وقد روي من وجوه منها ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أمية قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال أخبرنا أبو عامر قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سمعت علي بن الحسين يحدث عن مروان أن عثمان نهى عن المتعة وأن يجمع الرجل بين الحج والعمرة فقال عمر لبيك بحجة وعمرة معا فقال عثمان أتفعلهما وأنا أنهي عنهما وقال علي لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس ومنها حديث الثوري عن بكير بن عطاء الليثي قال أخبرني حريث بن سليم الفروي قال نهى عثمان عن أن يقرن بين الحج والعمرة فسمعت عليا يقول اللهم لبيك بحجة وعمرة قال عثمان إنك ممن ينظر إليه قال علي وأنت ممن ينظر إليه ذكره عبد الرزاق عن الثوري وذكر بن أبي شيبة قال أخبرني الحكم بن عتيبة عن علي بن حسين عن مروان عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وأن عليا فعل ذلك أيضا فعاب ذلك عليه عثمان فقال علي ما كنت لأدع شيئا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله وذكر البخاري قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن علي بن حسين عن مروان بن الحكم قال شهدت عثمان وعليا رضي الله عنهما وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما فلما رأى ذلك علي أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي (عليه السلام) لقول أحد قال. وحدثنا قتيبة بن محمد عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن المسيب قال اختلف علي وعثمان وهما بعسفان فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا ومما دل على صحة هذا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال كنت مع علي (رضي الله عنه) إذ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن قال فأصبت معه أواقي فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا ونضحت البيت بنضوح فقال مالك قالت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه أن يحلوا قال قلت لها أني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت له أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال فإني قد سقت الهدي وقرنت وذكر تمام الحديث. وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا معاوية بن صالح قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد قال حدثنا يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب على اليمن فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال علي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت قال أهللت بإهلالك قال فإني سقت الهدي وقرنت عبد الله بن محمد قال حدثنا بن حمران قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني حجاج بن محمد قال حدثنا ليث بن سعد قال حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران مولى تجيب قال حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت عبد الله بن أبي أوفى بالكوفة يقول إنما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعدها أبدا ومما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا من رواية مالك حديثه عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ومعلوم أنه كان معه هدي ساقه صلى الله عليه وسلم ومحال أن يأمر من كان معه هدي بالقرآن ومعه الهدي ولا قارنا وحديث مالك عن نافع عن بن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم إني قلدت هديا ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر هديي وسيأتي في موضعه إن شاء الله وحديث أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعا لبيك عمرة وحجة قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا سعيد بن عامر قال حدثني حبيب بن الشهيد عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك حجة وعمرة فذكرت ذلك لابن عمر فقال إنما أهل بالحج فذكرت ذلك لأنس فقال ما يعدونا إلا صبيانا. وحدثني عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال سمعتهم يصرخون بهما جميعا وذكره البخاري عن معاذ بإسناده. وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا نصر بن محمد قال حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا الأشعث أن الحسن حدثهم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وقرن القوم معه فلما قدموا مكة قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلوا فهاب القوم فقال لولا أن معي هديا لأحللت فحل القوم حتى حلوا إلى النساء قال أبو عمر قوله في هذا الحديث وقرن القوم معه يعني من كان معه هدي منهم وقالوا أحلوا لمن لم يكن معه هدي فهذا بين في هذا الحديث وفي كثير من الأحاديث وحديث حفصة في القرآن وقولها ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديا فلا أحل حتى أنحر هذا لفظ حديث مالك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن حفصة قالت قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلم أحل حتى أحل من الحج وحديث بن عباس عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني آت من ربي الليلة فقال صل في أصل هذا الوادي المبارك وهو بالعقيق وقل عمرة في حجة وقول عمر للصبي بن معبد إذ سأله عن قران الحج والعمرة وأنه قرنهما فأنكر ذلك عليه سلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فقال له عمر حين ذكر له ذلك هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم فلهذه الآثار وما كان مثلها رأى علي قران الحج والعمرة وقال لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك حديث مالك عن نافع عن بن عمر عن حفصة وفي حديث هذا الباب ما كان عليه علي (رضي الله عنه) من التواضع في خدمته لنفسه وامتهانه لها وذلك من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لعائشة (رضي الله عنها) كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته قالت كان يخيط ثوبه ويصلح نعله ويصنع ما يصنع أحدكم في بيته وفيه من الفقه أن من سمع إنكار شيء في الدين يعتقد جوازه عن صحته أن يبينه على من أنكره ويستعين من يعينه على إظهار ما استتر منه وذلك أن المقداد كان قد علم أن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم القران وذلك من المباح المعمول به فذكر ذلك لعلي فرأى علي أن يحرم قارنا ليظهر إلى الناس أن الذي نهى عنه عثمان نهي اختيار لا أنه نهي عن حرام لا يجوز ولا عن مكروه لا يحل وخوفا من أن يكون القران يدرس ويفنى لما كان عليه الثلاثة الخلفاء من الاختيار فتضيع سنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعسى أن يكون علي قد كان يذهب إلى أن القران ليس بدون الإفراد في الفضل أو لعله عنده كان أفضل من الإفراد وقد قدمنا في الباب قبل هذا ذكر القائلين بذلك وذكرنا الآثار التي ورد فيها القران عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مالك الأمر عندنا أن من قرن الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئا ولم يحلل من شيء حتى ينحر هديا إن كان معه ويحل بمنى يوم النحر. 708- وروايته عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع خرج إلى الحج فمن أصحابه من أهل بحج الحديث فقد مضى معنى هذا الحديث في باب إفراد الحج. وأما قول مالك في القران فلا خلاف بين العلماء أن القارن لا يحل إلا يوم النحر فإذا رمى جمرة العقبة حل له الحلاق والتفث كله فإذا طاف بالبيت حل كل الحل وقوله حتى ينحر هديا إن كان معه يريد أن القارن إذا لم يجد الهدي فحكمه حكم المتمتع في الصيام وغيره وإحلاله بعد رمي جمرة العقبة كما وصفت له. 709- وأما قول مالك أنه سمع أهل العلم يقولون من أهل بعمرة ثم بدا له أن يحج يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة وقد صنع ذلك عبد الله بن عمر حين قال إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم إني قد أوجبت الحج مع العمرة قال وقد أهل (أصحاب) رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع بالعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا قال أبو عمر قد احتج مالك لإدخال الحج على العمرة لقول النبي (عليه السلام) ثم بفعل بن عمر وعليه جمهور العلماء وقد ذكرنا في الباب من شاهد مخالف في ذلك فقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة وهذا قياس في غير موضعه لأنه لا مدخل للنظر مع صحيح الأثر وحمله قول مالك أن الحج يضاف إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج ومن أضاف الحج إلى العمرة فإنما له ذلك ما لم يطف بالبيت على ما قاله مالك فإن طاف فلا يفعل حتى يحل من عمرته فإن فعل بفعله باطل ولا شيء عليه ومن أضاف الحج إلى العمرة وقد ساق هديا لعمرته فيستحب له مالك أن يهدي معه هديا آخر قال فإن لم يفعل جزى ذلك عنه. وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز إدخال العمرة على الحج ومن أدخل الحج على العمرة قبل الطواف لها كان قارنا ومن أدخلها عليها بعد الطواف لها أمر أن يرفض عمرته وعليه دم لرفضها عمرة مكانها. وقال الشافعي إذا أخذ المعتمر في الطواف فطاف لها شوطا أو شوطين لم يكن له إدخال الحج عليها فإن أحرم بالحج في ذلك الوقت لم يكن له إحراما حتى يفرغ من عمل العمرة. 710- ذكر فيه مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه. 711- وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية قال مالك وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. 712- وذكر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تترك التلبية إذا رجعت إلى الموقف. 713- وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يلبي حتى يغدو من منى إلى عرفة فإذا غدا ترك التلبية وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم. 714- وعن بن عمر أنه كان لا يلبي وهو يطوف بالبيت وبعض هذا ذكره بن شهاب عن بن عمر هكذا. 715- وعن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنزل من عرفة بنمرة ثم تحولت إلى الأرك. 716- وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز غدا يوم عرفة من منى فسمع التكبير عاليا فبعث الحرس يصيحون في الناس أيها الناس إنها التلبية قال أبو عمر أما قوله هما غاديان من منى إلى عرفة فإن ذلك كان يوم عرفة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الخشني قال حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول من سنة الحج أن يصلي الإمام يوم التروية الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى فإذا طلعت الشمس وارتفعت غدا إلى عرفة قال أبو عمر قائلون إن الحاج جائز له قطع الوقوف قبل الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وهو موضع اختلف فيه السلف والخلف فروي عن أنس بن مالك في الموطأ وعن بن عمر في غير الموطأ مثله مرفوعا وعن أنس بن مالك وقد ذكرناه في التمهيد قالوا وإن أخر قطع التلبية إلى زوال الشمس بعرفة فحسن ليس به بأس وروي عن الحسن البصري مثل قول بن عمر وقال آخرون لا تقطع التلبية إلا عند زوال الشمس بعرفة روي ذلك عن جماعة من السلف وهو قول مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة قال بن شهاب كانت الأئمة أبو بكر وعثمان وعمر وعائشة وسعيد بن المسيب يقطعون التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة قال أبو عمر أما عثمان وعائشة فقد روي عنهما غير ذلك وكذلك سعيد بن المسيب. وأما علي بن أبي طالب فلم يختلف عنه في ذلك على ما علمت فيما ذكره مالك في هذا الباب وكذلك أم سلمة كانت تقطع التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة وقد روي عن بن عمر مثل ذلك والرواية الأولى أثبت وهو قول السائب بن يزيد وسليمان بن يسار وبن شهاب وفي المسألة قول ثالث وهو أن التلبية لا يقطعها الحاج حتى يروح من عرفة إلى الموقف وذلك بعد جمعه بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر وهو قريب من القول الذي قبله وروي ذلك عن عثمان وعائشة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وغيرهم وفيها قول رابع أن المحرم بالحج يلبي أبدا حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثبت ذلك عن النبي (عليه السلام) وهو قول بن عمر وعبد الله بن مسعود وبن عباس وميمونة وبه قال عطاء بن رباح وطاوس وسعيد بن جبير والنخعي وهو قول جمهور الفقهاء وأهل الحديث منهم سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وبن أبي ليلى والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود والطبري وأبو عبيد إلا أن هؤلاء اختلفوا في شيء من ذلك فقال الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وأبو ثور يقطعها في أول حصاة يرميها من جمر العقبة وكذلك كان بن مسعود يفعل يقطع التلبية بأول حصاة من جمرة العقبة يوم النحر. وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها قالوا وهو ظاهر الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولم يقل أحد ممن روى الحديث حتى رمى بعضها وقال بعضهم فيه ثم قطع التلبية في آخر حصاة رواه بن جريج عن عطاء عن بن عباس عن الفضل بن عباس وكان ردف النبي (عليه السلام) أنه (عليه السلام) لبى حتى رمى جمرة العقبة قال أبو عمر من تأمل الأحاديث المرفوعة في هذا الباب مثل حديث محمد بن أبي بكر الثقفي عن أنس وحديث بن عمر استدل على الإباحة في ذلك ولذلك اختلف السلف فيه هذا الاختلاف ولم ينكر بعضهم على بعض وقال كل واحد منهم بما ذهب إليه استحبابا لا إيجابا ذكر يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد قال حدثني وبرة قال سألت بن عمر عن التلبية يوم عرفة فقال التكبير أحب إلي وقال طارق بن شهاب أفاض عبد الله بن مسعود من عرفات وهو يلبي فسمعه رجل وقال من هذا أو ليس بحين تلبية فقيل له هذا بن أم عبد فاندس في الناس وذهب فذكر ذلك لعبد الله فجعل يلبي لبيك لبيك عدد التراب فهذا يدل على أن الاختلاف قديم في هذه المسألة وأنه لا ينكره إلا من لا علم له وروى حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال حججت مع بن الزبير فسمعته يقول يوم عرفة ألا وإن أفضل الدعاء اليوم التكبير وهو على الأفضل عنده وما كان يستحبه لا على دفع ماسواه ذكر بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر قال يهل ما دون عرفة ويكبر يوم عرفة ومن حجة من قال يلبي الحاج إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة وروي عن بن عباس عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق وقال (عليه السلام) خذوا عني مناسككم أخبرنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا وكيع قال حدثنا بن جريج عن عطاء عن بن عباس عن الفضل بن عباس أن النبي ( عليه السلام) لبى حتى رمى جمرة العقبة وذكر أبو عيسى الترمذي قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا بن أبي عدي عن محمد بن إسحاق قال سأل أبي عكرمة وأنا أسمعه عند الإهلال متى تقطع فقال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رمى الجمرة وعمر وعثمان قال بن إسحاق وأنبأني أبان بن صالح عن عكرمة قال وقفت مع الحسين بن علي بالمزدلفة فلم أزل أسمعه يقول لبيك لبيك فقلت ما هذا الإهلال يا أبا عبد الله فقال سمعت عليا يهل حتى رمى جمرة العقبة. وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل حتى انتهى إليها قال فأتيت بن عباس فسألته. وأخبرته بقول الحسين فقال صدق حدثني الفضل بن عباس وكان ردف النبي يومئذ فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى رمى جمرة العقبة قال أبو عيسى سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو حديث محفوظ واختلف العلماء في التلبية في الطواف للحاج فكان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يلبي إذا طاف بالبيت ولا يرى بذلك بأسا وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل وكرهه مالك وهو قول سالم بن عبد الله وقال بن عيينة ما رأيت أحدا يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب وقال إسماعيل بن إسحاق الذي نقول به لا يزال الرجل ملبيا حتى يبلغ الغاية التي إليها تكون استجابة وهو الموقف بعرفة عن الشافعي أنه قال لا أحب لمن لبى في الطواف أن يجهر وبالله التوفيق. 717- ذكر فيه مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون أهلوا إذا رأيتم الهلال. 718- وعن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك قال مالك وإنما يهل أهل مكة وغيرهم بالحج إذا كانوا بها ومن كان مقيما بمكة من غير أهلها من جوف مكة لا يخرج من الحرم قال أبو عمر ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إهلال أهل مكة اختيار واستحباب ليس على الإلزام والإيجاب لأن الإهلال إنما يجب على من يتصل به عمله في الحج لا على غيره لأنه ليس من السنة أن يقيم المحرم في أهله والأصل في هذا حديث مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر رأيتك تفعل أربعة لم أر أحدا من أصحابك يفعلها فذكر منها ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت إلى يوم التروية فأجابة بن عمر أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إلا حين انبعثت به راحلته يريد بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم أهل من ميقاته في حين ابتدائه عمل حجته وفي حديث عبيد بن جريج هذا على أن الاختلاف في هذه المسألة قديم بين السلف وأن بن عمر لم ير أحدا حجة على السنة ولا التفت إلى عمل من عمل عنده بغيرها وإن كان أبوه (رضي الله عنه) كان يأمر أهل مكة بخلاف ذلك وقد تابع بن عمر في هذه المسألة جماعة منهم بن عباس وغيره ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبيه عن طاوس عن بن عباس قال لا يهل أحد بالحج من مكة حتى يروح إلى منى قال. وأخبرنا بن جريج قال أخبرنا عطاء وجه إهلال أهل مكة حين تتوجه به دابته نحو منى فإن كان ماشيا فحين يتوجه نحو منى قال بن جريج وقال لي عطاء إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلوا في حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عشية التروية حتى توجهوا إلى منى قال بن جريج. وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يحكي عن حجة النبي ( عليه السلام) قال فأمرنا بعد ما طفنا أن نحل وقال إذا أردتم أن تحلوا إلى منى فانطلقوا قال أبو عمر لما فسخوا حجهم في عمرة وحلوا إلى النساء صاروا كأهل مكة في إطراح الشعث والتفث ومس النساء فإذا كانت السنة فيهم ألا يهلوا إلى يوم التروية فكذلك أهل مكة وهذا خلاف ما روي عن بن عمر وبن الزبير من رواية مالك وغيره ولا وجه لقول عمر عندي إلا الاستحباب كما وصفنا وبالله توفيقنا وقد روي عن بن عمر ما يوافق قول عمر لأهل مكة وفعل بن الزبير ذكره مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر كان يهل لهلال ذي الحجة من مكة ويؤخر الطواف بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى وذكر عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال أهل بن عمر بحجة حين رأى الهلال من جوف الكعبة ومرة أخرى حين انطلق إلى منى. وأخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر أنه أهل بالحج من مكة ثلاث سنوات وعن معمر عن أيوب عن نافع عن بن عمر مثله وعن بن جريج عن مجاهد نحوه قال مجاهد فقلت لابن عمر قد أهللت فينا إهلالا مختلفا قال أما أول عام فأخذت بأخذ بلدي ثم نظرت فإذا أنا أدخل على أهلي حراما وأخرج حراما وليس كذلك كنا نصنع إنما كنا نهل ثم نجعل على شأننا قلت فبأي شيء تأخذ قال نحرم يوم التروية قال. وأخبرنا بن عيينة عن بن جريج عن عطاء قال إن شاء المكي أن لا يحرم بالحج إلا يوم منى يعمل أخبرنا هشام بن حسان قال كان عطاء بن أبي رباح يعجبه أن يهل إذا توجه إلى منى قال وقال عطاء إذا أحرم يوم التروية فلا يطوف بالبيت حتى يروح إلى منى قال هشام وقال الحسن أي ذلك فعل فلا بأس إن شاء أهل حين يتوجه إلى منى وإن شاء قبل ذلك وإذا أهل قبل يوم التروية فإنه يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة يعني إن شاء وليس طوافه ذلك له بلازم ولا سنة لأنه طواف سنة لقادم مكة من غيرها من الآفاق. وأما قول مالك في هذا الباب أن المكي لا يخرج من مكة للإهلال ولا يهل إلا من جوف مكة فهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه وليس كالمعتمر عند الجميع لأن الشأن في الحاج والمعتمر أن يجمع بين الحل والحرم فأمروا المعتمر المكي أو من كان بمكة أن يخرج إلى الحل لأن عمرته تنقضي بطوافه بالبيت وسعيه بين الصفا والمروة والحاج لا بد له من عرفة وهي حل فيحصل بذلك له الجمع بين الحل والحرم ولذلك لم يكن الخروج إلى الحل ليهل منه بخلاف المعتمر. وأما قول مالك في هذا الباب من أهل من مكة بالحج فليؤخر الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى قال وكذلك صنع عبد الله بن عمر وفعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلوا بمكة لم يطوفوا ولم يسعوا حتى رجعوا بمكة فإن ما ذكره عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بن عمر أيضا فالآثار به متواترة محفوظة صحاح وأهل العلم كلهم قائمون به لا يرون على المكي طوافا إلا الطواف المفترض وهو طواف الإفاضة عند أهل الحجاز ويسميه أهل العراق الطواف. وأما الطواف الأول وهو طواف الدخول فساقط عن المكي وساقط عن المراهن الذي يخاف فوت الوقوف قبل الفجر من ليلة النحر ويصل المكي والمراهن طواف الإفاضة بالسعي بين الصفا والمروة لأن الطواف الأول هو الوصول به السعي لمن قدم مكة ودخلها ساعيا أو معتمرا وذكر بن عبد الحكم وغيره عن مالك من أحرم من مكة وطاف وسعى قبل خروجه إلى منى لزمه أن يطوف بعد الرمي والسعي فإن لم يعد الطواف حتى رجع إلى بلده أجزى. وأما قول مالك لا يهل الرجل من أهل مكة حتى يخرج إلى الحل فيحرم منه فقد ذكرت لك أن ذلك إجماع من العلماء لا يختلفون فيه والحمد لله لأن العمرة زيارة البيت وإنما يزار الحرم من خارج الحرم كما يزار المزور في بيته من غير بيته وتلك سنة الله في المعتمرين من عباده واختلفوا فيمن أهل بالعمرة من مكة فقالت طائفة يخرج إلى الميقات أو إلى الحل فيحرم منه بعمرة وإن لم يخرج وطاف وسعى فعليه دم لتركه الخروج إلى الحل هذا قول أبي حنيفة وأصحابه وبن القاسم وأبي ثور وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي قول آخر انه لا يجزئه وعليه الخروج إلى الحل والإهلال منه بالعمرة وغيرها وهو قول الثوري وأشهب والمغيرة. 719- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك أو مري صاحب الهدي قالت عمرة قالت عائشة ليس كما قال بن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. 720- مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سألت عمرة بنت عبد الرحمن عن الذي يبعث بهديه ويقيم هل يحرم عليه شيء فأخبرتني أنها سمعت عائشة تقول لا يحرم إلا من أهل ولبى. 721- عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق فسأل الناس عنه فقالوا إنه أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال بدعة ورب الكعبة قال أبو عمر قد روى حديث عائشة المسند في أول الباب بن جريج وغيره ورواه أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة ورواه الأسود عن عائشة ومسروق عن عائشة من أئمة أهل الحديث بالكوفة وهو حديث مجتمع على إسناده واختلف في معنى هذا الحديث فقال جماعة من أهل العلم منهم عطاء وسعيد بن جبير إذا قلد الحاج هديه فقد أحرم وحرم عليه ما يحرم على الملبي بالحج وكذلك إذا أشعر هديه واختلفوا في تحليله فمنهم من قال الإحلال كالتقليد والإشعار ومنهم من أباه وقالت طائفة لا يكون محرما إلا من أحرم ولبى كما روي عن عائشة وقال آخرون إذا نوى بالتقليد الحج أو العمرة فهو محرم وإن لم يلب وهذا كله عنهم في معنى قول الله تعالى فمن (فرض فيهن الحج) [البقرة 197]. وكلهم يستحب أن يكون إحرام الحج وتلبيته في حين تقليده الهدي وإشعاره وقالت طائفة منهم بن عمر كقول بن عباس من قلد هديه سواء خرج معه أو بعث به وأقام وهو يفعله يحرم عليه ما يحرم على المحرم وسئل مالك عمن خرج بهدي لنفسه فأشعره وقلده بذي الحليفة ولم يحرم هو حتى جاء الجحفة قال لا أحب ذلك ولم يصب من فعله ولا ينبغي له أن يقلد الهدي ولا يشعره إلا عند الإهلال إلا رجل لا يريد الحج فيبعث به ويقيم في أهله قال أبو عمر يعني حالا وسئل مالك هل يخرج بالهدي غير محرم فقال نعم لا بأس بذلك وسئل أيضا عما اختلف فيه الناس من الإحرام لتقليد الهدي ممن لا يريد الحج ولا العمرة فقال الأمر عندنا الذي نأخذ به في ذلك قول عائشة أم المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بهديه ثم أقام فلم يحرم عليه شيء مما أحله الله له حتى نحر هديه قال أبو عمر في حديث عائشة المسند في هذا الباب من الفقه أن عبد الله بن عباس كان يرى أن من بعث بهدي إلى الكعبة لزمه إذا قلده أن يحرم ويجتنب كل ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه وتابع عبد الله بن عباس على ذلك عبد الله بن عمر وطائفة منهم قيس بن سعد وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير على اختلاف عنه روى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أخبرني قيس بن سعد بن عبادة أن بدنه قلدت ورأسه في حجر جاريته فانتزعه وممن قال بهذا ميمون بن أبي شبيب قال من قلد أو أشعر أو جلل فقد أحرم وروي بمثل ذلك أثر مرفوع من حديث عمر عن النبي (عليه السلام) وفيه أنهم كانوا يختلفون في مسائل الفقه وعلوم الديانة فلا يعيب بعضهم بعضا بأكثر من رد قوله ومخالفته إلى ما عنده من السنة في ذلك وفيه ما كانوا عليه من الاهتبال بأمر الدين والكتاب فيه إلى البلدان وفيه عمل أزواج النبي عليه السلام بأيديهن وامتهانهن أنفسهن وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتهن نفسه في عمل بيته فربما خاط ثوبه وخصف نعله وقلد هديه المذكور في هذا الحديث بيده (عليه السلام) وفيه أن تقليد الهدي لا يوجب على صاحبه الإحرام وهذا المعنى الذي سبق له هذا الحديث وهو الحجة عند الشارع وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك ما ذكره في موطئه وبه قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود كل هؤلاء يقول بحديث عائشة أن التقليد لا يوجب الإحرام على من لم ينوه هذه جملة أقوالهم. وأما تفصيلها ف قال الثوري إذا قلد الهدي فقد أحرم إن كان يريد الحج أو العمرة وإن كان لا يريد ذلك فليبعث بهديه وليقم حلالا. وقال الشافعي وأبو ثور وداود ولا يكون أحدا محرما بسياقه الهدي ولا بتقليده ولا يجب عليه بذلك إحرام حتى ينويه ويريده. وقال أبو حنيفة من ساق هديا وهو يؤم البيت ثم قلده فقد وجب عليه الإحرام وإن جلل الهدي أو أشعره لم يكن محرما وإنما يكون محرما بالتقليد وقال إن كانت معه شاة فقلدها لم يجب عليه الإحرام لأن الغنم لا تقلد وقال إن بعث بهديه فقلده وأقام حلالا ثم بدى له أن يخرج فخرج واتبع هديه فإنه لا يكون محرما حين يخرج وإنما يكون محرما إذا أدرك هديه وأخذه وسار به وساقه معه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإن بعث بهدي لمتعة ثم أقام حلالا أياما ثم خرج وقد كان قلد هديه فهو محرم حين يخرج ألا ترى أنه بعث بهدي المتعة قال أبو عمر روي عن عطاء نحو مذهب بن عباس ومن قال بقوله روى القطان وعبد الرزاق وهشام بن يوسف عن بن جريج قال قال عطاء أما الذي قلد الهدي فقد أحرم قال ومثل التقليد فرض الرجل هديه ثم يقول أنت هدي أو قد أهديتك قال وبمنزلة ذلك المجلل والأشعار ويحتمل هذا من قول عطاء أن ينوي فعل ذلك أو يتوجه مع هديه قال أبو عمر. وأما حديث جابر الذي ذهب إليه من اتبع بن عباس وبن عمر رواه أسد بن موسى وغيره عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا فقد قميصه من جنبه حتى أخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي (عليه السلام) فقال أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد وتشعر على مكان كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي فذهب قوم إلى أن الرجل إذا بعث بهديه وأقام في أهله فقلد الهدي وأشعره أنه يتجرد فيقيم كذلك حتى يحل الناس من حجهم واحتجوا بهذا الحديث وبقول بن عباس في حديث مالك من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج وعبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة شيخ من أهل المدينة روى عنه سليمان بن بلال والدراوردي وداود بن قيس وحاتم بن إسماعيل إلا أنه ممن لا يحتج به فيما ينفرد به فكيف فيما خالفه فيه من هو أثبت منه ولكنه قد عمل بحديثه بعض الصحابة (رضي الله عنهم) روى معمر عن أيوب عن بن سيرين أن بن عباس بعث بهديه ثم وقع على جارية له فأتى مطرف بن الشخير في المنام فقيل له أئت بن عباس فمره أن يطهر فرجه فأبى أن يأتيه فأتى الليلة الثانية فقيل له مثل ذلك فأبى أن يأتيه فأتى الليلة الثالثة وقيل له قول فيه بعض الشدة فلما أصبح أتى بن عباس فأخبره بذلك فقال بن عباس وما ذلك ثم ذكر فقال إني وقعت على فلانة بعد ما قلدت الهدي فكتب ذلك اليوم الذي وقع عليها فلما قدم ذلك الرجل الذي بعث معه الهدي سأله أي يوم قلدت الهدي فأخبره (فإذا هو قد) وقع عليها بعد ما قلد الهدي فأعتق بن عباس جاريته تلك وروى بن جريج وأيوب وعبيد الله بمعنى واحد عن نافع عن بن عمر قال إذا قلد الرجل هديه فقد أحرم والمرأة كذلك فإن لم يحج فهو حرام حتى ينحر هديه وروى أبو العالية عن بن عمر خلاف ما روى نافع عنه ذكر معمر عن أيوب عن أبي العالية قال سمعت بن عمر يقول تقولون إذا بعث الرجل الهدي فهو محرم والله لو كان محرما ما كان يدخل دون أن يطوف بالبيت قال أيوب فذكرته لنافع فأنكره قال أبو عمر اختلف على بن عمر في هذا الباب ولم يختلف على بن عباس ونافع أثبت في بن عمر من أبي العالية وأعلم به وهذا ما لا يختلف أهل العلم بهذا الشأن فيه إلا أن الذي حكاه أبو العالية عن بن عمر قول صحيح في النظر وهو الثابت في الأثر من حديث عائشة عن النبي (عليه السلام) أنه لم يحرم عليه شيء أحله الله في حين قلد هديه وبعث إلى مكة به وعلى القول بحديث عائشة دون حديث بن أبي لبيبة جمهور أهل العلم وأئمة الفتوى بالأمصار على ما ذكرناه عنهم في هذا الباب وفي حديث عائشة أيضا من الفقه ما يرد حديث أم سلمة عن النبي (عليه السلام) أنه قال إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره لأن في هذا الحديث النهي من أن يأخذ في العشر من ذي الحجة من ظفره أو من شعره كل من أراد أن يضحي والهدي في حكم الضحية وفي حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تقليده الهدي لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم فهو معارض لأم سلمة وهو أثبت منه وأصح لأن طائفة من أهل العلم من بالنقل تقول إن عمر بن مسلم شيخ مالك مجهول يقول فيه شعبة وبعض أصحاب مالك عن مالك عمرو بن مسلم وكذلك قال فيه سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي (عليه السلام) وقال فيه بن وهب عن مالك عن عمرو بن مسلم وتابعه جماعة من أصحاب مالك وكذلك قال فيه محمد بن عمر عن عمر بن مسلم بن عمارة بن أكيمة حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عمر بن محمد بن القاسم ومحمد بن أحمد بن كامل ومحمد بن أحمد بن المنصور قالوا حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن عمر عن سعيد بن المسيب عن أم سلمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا ورواه القعنبي وأبو مصعب وأبو بكير عن مالك وقد ذكرنا الأسانيد عنهم في غير هذا الموضع إلا أنه ليس عند أكثر رواه الموطأ وقد رواه شعبة عن مالك حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن العسكري قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري بمصر قال حدثنا بشر بن عمر قال أخبرنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمر بن سلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من رأى منكم هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا قال أبو عمر ترك مالك أن يحدث بهذا الحديث في آخر عمره وقاله عنه عمران بن أنس فقال ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه فقد رواه عنه شعبة وهو يقول ليس من حديثي وقد اختلف العلماء في القول بهذا الحديث فقال مالك لا بأس بحلق الرأس وقص الأظفار والشارب وحلق العانة في عشر ذي الحجة وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري واختلف في ذلك قول الشافعي فمرة قال من أراد الضحية لم يمس في عشر ذي الحجة من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ومرة قال أحب إلي أن لا يفعل ذلك فإن أخذ من شعره أو أظفاره شيئا فلا بأس لحديث عائشة كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وقال الأوزاعي إذا اشترى أضحيته بعد ما دخل العشر فإنه يكف عن قص شاربه وأظفاره وإن اشتراها قبل أن يدخل العشر فلا بأس. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية بظاهر حديث أم سلمة واختلف عن سعيد بن المسيب في ذلك وروي عنه أنه أفتى بما روي عن أم سلمة في ذلك وروى مالك عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب قال لا بأس بالاطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة وهو أترك لما رواه عن أم سلمة وقد أجمعوا على أنه لا بأس بالجماع في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي وأن ذلك مباح فحلق الشعر والأظفار أحرى أن يكون مباحا قال أبو عمر من الاختلاف في حديث أم سلمة أن بن عيينة رواه عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد عن أم سلمة موقوفا عليها وكذلك رواه بن وهب قال أنس بن عياض عن الليث عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن قال سمعت سعيد بن المسيب قال قالت أم سلمة فذكره موقوفا على أم سلمة فضعفت طائفة من أهل الحديث هذا. وأما أحمد بن حنبل فقال هو صحيح من رواية مالك قال وقد رواه محمد بن عمرو عن شيخ مالك كما رواه مالك قد ذكرنا أن سعيد بن أبي هلال رواه عنه كما رواه مالك ومحمد بن عمرو إلا أنهم اختلفوا في عمر بن مسلم بن أكيمة الليثي وهو بن أخي الذي روى عنه بن شهاب قال أحمد ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي حديث أم سلمة وحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث الهدي لم يحرم عليه شيء فبقي ساكتا ولم يجب وذكرته ليحيى بن سعيد فقال ذاك له وجه وهذا له وجه وحديث أم سلمة لمن أراد أن يضحي بالمصر وحديث عائشة لمن بعث بهديه وأقام قال أحمد وهكذا أقول حديث عائشة هو على المقيم الذي يرسل بهديه ولا يريد أن يضحي بعد ذلك الهدي الذي بعث به فإن أراد أن يضحي لم يأخذ من شعره شيئا ولا من أظفاره على أن حديث أم سلمة هو عندي على كل من أراد أن يضحي في مصره حكى ذلك كله عنه الأثرم قال أبو عمر قد صح أن النبي (عليه السلام) إذ بعث بهديه لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم وصح أنه كان يضحي صلى الله عليه وسلم ويحض على الضحية ولم يصح عندنا أنه صلى الله عليه وسلم في العام الذي بعث فيه بهديه ولم يبعث بهديه لينحر عنه بمكة إلا سنة تسع مع أبي بكر ولا يوجد أنه لم يضح في ذلك العام والله أعلم والقياس على ما أجمعوا عليه من جواز الإجماع أن يجوز ما دونه من حلاق الشعر وقطع الظفر وبالله (عز وجل) التوفيق قال أبو عمر صحح الطحاوي حديث أم سلمة هذا وقال به وخالف أصحابه فيه بعد أن ذكر طرقه والاختلاف فيها وقال بعضها يشد بعضا وقال ليس شيخ مالك بمجهول لأنه قد روى عنه ثلاثة أئمة مالك ومحمد بن عمرو وسعيد بن أبي هلال وقد تابعه على روايته مالك عن سعيد بن المسيب عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ولا يضره توقيف من وقفه إذا رفعه ثقات ولا يضره أن يكون اسمه عمر ومال الطحاوي إلى القول بحديث أم سلمة هذا واحتج له وخالف فيه أصحابه الكوفيين ومالكا ومما ذكره فمن ذلك قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة قال حدثنا قتادة عن كثير بن أبي كثير أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان في الرجل إذا اشترى أضحية وسماها ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره فلا يمس منها شيء قال كثير فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال نعم قد أحسن قلت عن من يا أبا محمد قال عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون أو كانوا يفعلون ذلك. وأما قول بن الزبير في الذي تجرد حين أمر بهديه أن يقلد بدعة ورب الكعبة وقال الطحاوي محتجا لأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد لا يجوز أن يكون عندنا حلف الزبير على ذلك أنه بدعة إلا وقد علم أن السنة على خلاف ذلك. وأما بن عباس فإنما اعتمد على حديث جابر المذكور وقد ذكرنا علة إسناده ولو علم به بن الزبير لم يقسم. وأما قول مالك أنه لا يحب لأحد قلد هديه بذي الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة فإن الهدي لما كان محل هديه محله وذلك يوم النحر وكذلك ينبغي أن يكون إحرامه مع تقليده له وهذا ما لا خلاف فيه وهي السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلد هديه ثم أحرم وقال لا أحل حتى أنحر الهدي ولا يختلف العلماء أن الهدي ولا كل من كان ميقاته ذا الحليفة أنه ليس له أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة وإنما يؤخر إحرامه إلى الجحفة المغربي والشامي على أنه يستحب له إذا مر بذي الحليفة أن يحرم منها.
|